كنت وحيداً في بغداد فقد سافر أخي نهاد والعائلة إلى بعقوبة حيث عين حاكماً وتوجب عليَّ البقاء في هذه المدينة المفترسة متطفلاً في السكن بدار أحد أخوتي الكبار . 16 نيسان 1949 تن ...تن ...تن .. ثلاث دقات رهيبة تعلن اقتراب الصباح ، وأنا ذلك الأب المسكين ، لا أزال جالساً في غرفتي منكمشاً على نفسي ، أحاول جهدي أن أتبين هذه الكلمات على ضوء المصباح الضئيل البعيد . السكون عجيب هذه الساعة من الليل ، الساعة التي تسبق انبثاق الفجر ... انبثاق النهار .. انبثاق الحقيقة . وأعجب من هذا السكون ذلك الهدوء النفسي الغريب الذي يوقد في داخلي دون حراك .. دون اضطراب كالماء الآمن الأخضر في المستنقعات العميقة . لم يمض وقت طويل منذ أن أقبلت فاطمة .. منذ أن نزلت من سيارة التاكسي ، منذ أن أرسلت ضحكة مكتومة قصيرة ..... 28نيسان 1949 ماذا يبعث فينا الماضي حين نسترجعه ؟ لقد عرفت ذلك الساعة ، الآن منذ لحظات حين قرأت ما كتبت قبل أيام ، إنه يعرض حياتنا بسكون وهدوء ، وهو في عرضه هذا صامتاً .. ساكناً ، يهمس ولا يرفع صوته ويترفق بنا ولا يقسو . هذا هو كل شيء يسمى الماضي . لعلي سعيد الآن لم يمر ما يزعجني نهار اليوم ، فلقد قضيته في البيت لم أخرج قط ... 10 مايس 1949 إني لا أريد الكتابة الآن هناك طبيعة في أو قل عادة متأصلة ، تحملني وتحبذ لي السكون والصمت ، ولقد لبثت تحكمني هذين الأسبوعين السابقين لكنني ، تغلبت عليها أخيرا ، تغلب عليها إحساس آخر أقوى مني ومنها وأشد عوداً .. إحساس بالخوف . أجل إني أخاف ، أخاف أن ألبث ساكناً مطرقاً ،أتظاهر أن الأمور الجارية لاتهمني في كثير أو قليل ، لأنني أعرف نتيجة هذا السكون ، أعرف تمام المعرفة .
كنت وحيداً في بغداد فقد سافر أخي نهاد والعائلة إلى بعقوبة حيث عين حاكماً وتوجب عليَّ البقاء في هذه المدينة المفترسة متطفلاً في السكن بدار أحد أخوتي الكبار . 16 نيسان 1949 تن ...تن ...تن .. ثلاث دقات رهيبة تعلن اقتراب الصباح ، وأنا ذلك الأب المسكين ، لا أزال جالساً في غرفتي منكمشاً على نفسي ، أحاول جهدي أن أتبين هذه الكلمات على ضوء المصباح الضئيل البعيد . السكون عجيب هذه الساعة من الليل ، الساعة التي تسبق انبثاق الفجر ... انبثاق النهار .. انبثاق الحقيقة . وأعجب من هذا السكون ذلك الهدوء النفسي الغريب الذي يوقد في داخلي دون حراك .. دون اضطراب كالماء الآمن الأخضر في المستنقعات العميقة . لم يمض وقت طويل منذ أن أقبلت فاطمة .. منذ أن نزلت من سيارة التاكسي ، منذ أن أرسلت ضحكة مكتومة قصيرة ..... 28نيسان 1949 ماذا يبعث فينا الماضي حين نسترجعه ؟ لقد عرفت ذلك الساعة ، الآن منذ لحظات حين قرأت ما كتبت قبل أيام ، إنه يعرض حياتنا بسكون وهدوء ، وهو في عرضه هذا صامتاً .. ساكناً ، يهمس ولا يرفع صوته ويترفق بنا ولا يقسو . هذا هو كل شيء يسمى الماضي . لعلي سعيد الآن لم يمر ما يزعجني نهار اليوم ، فلقد قضيته في البيت لم أخرج قط ... 10 مايس 1949 إني لا أريد الكتابة الآن هناك طبيعة في أو قل عادة متأصلة ، تحملني وتحبذ لي السكون والصمت ، ولقد لبثت تحكمني هذين الأسبوعين السابقين لكنني ، تغلبت عليها أخيرا ، تغلب عليها إحساس آخر أقوى مني ومنها وأشد عوداً .. إحساس بالخوف . أجل إني أخاف ، أخاف أن ألبث ساكناً مطرقاً ،أتظاهر أن الأمور الجارية لاتهمني في كثير أو قليل ، لأنني أعرف نتيجة هذا السكون ، أعرف تمام المعرفة .